عندما قامت القوات الموالية للحكومة في بغداد باستعادة تكريت في أبريل، اكتشفت مئات من الجثث التي دفنت في مقابر جماعية بالقرب من نهر دجلة؛ ويعتقد أن مئات من ضحايا الدولة الإسلامية ألقيت في النهر. هذه الحلقة هي قطعة واحدة فقط في فسيفساء غارقة في الدماء: أسفر نصف قرن من الدكتاتورية والصراع عن تقارير تفيد أن هناك ما يصل إلى مليون شخص في عداد المفقودين في العراق.
وأكد المتحدثون في المؤتمرات التي نظمتها اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في بغداد وأربيل، في نهاية أبريل وبداية مايو، الحاجة إلى جمع إحصاءات دقيقة كخطوة أولية في معالجة هذه المسألة، ولكن مشارِكة واحدة من مجموعة النساء العراقيات لخصت طبيعة وحجم المشكلة عندما وصفت الأشخاص المفقودين بأنهم “أكبر وأقدم أزمة تواجه أمتنا”.
وقد عالجت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين المسألة في العراق منذ عام 2003. لقد قمنا بتدريب أكثر من 500 من الفنيين العراقيين في طرق تحديد مواقع وتوثيق حالات الأشخاص المفقودين، بما في ذلك استخدام التقنيات الأثرية والأنثروبولوجية والتعرف على الهويات عن طريق الحمض النووي المتقدمة، وكنا نعمل مع المؤسسات العراقية والمجتمع المدني لتعزيز عملية المفقودين ضمن إطار شامل لسيادة القانون.
عرض وزراء وبرلمانيين وخبراء قانونيون ونشطاء المجتمع المدني الذين شاركوا في مؤتمرات بغداد وأربيل ما هو في رأيي مزيج رائع من تصميم وواقعية. هناك فهم واضح جدا أن البحث عن المفقودين هو عنصر لا غنى عنه في الانتعاش بعد انتهاء الصراع و- على المدى الطويل – في المصالحة. على المجتمعات التزام إنساني لتخفيف معاناة الفاقدين من خلال تحديد مصير الأحباء. وبالإضافة إلى ذلك، هناك ضرورة سياسية – لأنه لا يمكنك الحفاظ على الحكومة الفاعلة والمسؤولة على أساس من الظلم. غياب اليقين بشأن مصير المفقودين يخلق فراغا سوف يتفاقم الشك والكراهية فيه.
حتى في الأوضاع الحالية الأمنية والسياسية غير المستقرة من الضروري أن يضع العراق استراتيجية طويلة الأجل بشأن المفقودين. هذه قضية لابد من معالجتها لكي ينجح الإنتعاش عندما يبدأ.
في مؤتمر اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في بغداد، دعا رئيس البرلمان سليم الجبوري إلى “خارطة الطريق” للبحث عن الأشخاص المفقودين من خلال الوسائل القانونية والقضائية. ألمح المشاركون في الاجتماع الذي عقد في مبنى البرلمان إلى أهمية تنفيذ الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي صادق عليه العراق في عام 2010، ولا سيما من حيث تعريف جريمة الاختفاء القسري، وتطوير منهج الطب الشرعي لحالات الأشخاص المفقودين وتحسين الوضع المالي لأسر المفقودين. كما ناقشوا سبل إدماج المعايير الدولية في التشريعات العراقية لضمان، على سبيل المثال، أن المسؤولين الحكوميين يفهمون حقوق أسر المفقودين، على النحو المنصوص عليه في إعلان اللجنة الدولية لشؤون المفقودين بشأن دور الدولة في معالجة قضية المفقودين نتيجة الصراع المسلح وانتهاكات حقوق الإنسان.
واتفق المشاركون في المؤتمر على أن العراق يمكن أن يحقق تقدما فقط على أساس خطة شاملة يتم تنفيذها بطريقة منسقة بالتزامن مع التدابير السياسية والإدارية والقانونية وبدعم كامل من المجتمع المدني.
بحث الاجتماع الذي عقد في أربيل سبل تنسيق عمل الهيئات المسؤولة عن التعامل مع الأشخاص المفقودين، في مجلس النواب وحكومة كردستان ومع السلطات في بغداد، من أجل ضمان إمكان تحديد موقع المفقودين والتعرف عليهم في كل جزء من أجزاء البلد.
ومن بين المقترحات الأخرى، ناقش المشاركون في المائدة المستديرة إنشاء قاعدة بيانات مشتركة فيها معلومات عن المفقودين يمكن سردها بشكل شامل. مثل قاعدة البيانات هذه تسمح أيضا للأسر بتسجيل المعلومات والوصول إليها عبر الإنترنت، وهو النظام الذي تشغله اللجنة الدولية لشؤون المفقودين بالفعل في بلدان أخرى.
سيكون هناك بعض الذين يزعمون أن تنفيذ مثل هذه الخطة، في الظروف الحالية، في العراق هو ببساطة غير واقعي. أنا أعترض. لن تحل المشكلة على المدى القصير، ولكن يجب علينا مع ذلك بدء العمل على تحقيق الهدف طويل الأجل للعثور والتعرف على المفقودين. الحقيقة هي أنه سيكون من غير الواقعي أن نتصور أن العراق يمكن أن يتحمل عدم بدء معالجة المشكلة.
البحث والتعرف على المفقودين هو عنصر أساسي وضروري في حل النزاع الراهن. إن كنا، ببساطة، لا نفعل شيئا، سوف يكون للعراقيين مليون سبب لعدم إحلال السلام.
كاترين بومبرجر هي المديرة العامة للجنة الدولية لشؤون المفقودين